كتب الأستاذ فراس جعفر أبو رمان :
النخب السياسية، ولا اقصد هنا الأقلية الحاكمة، بل اقصد أصحاب الذوات المتمتعين بقدرة عالية من التأثير في المجتمعات بالرغم من وجودهم خارج أدوات الحكم؛ أي الشخصيات التي تحمل فكرا وإيديولوجية وخبرة في الحكم على الأمور و مقدرة على التأثير في المجتمع وان كانت خارج الحكم.و النخب السياسية والاجتماعية مبتعدة عن الساحة الأردنية منذ زمن بعيد ولذلك أسباب عدة:أولها: ابتعاد قصري بسبب الأسلاك الشائكة التي يضربها من هم في مطبخ صناعة القرار حولهم ليبقوا هم في المقدمة وفي كادر الصورة وبشكل أحادي. حتى انك لتقول في أحيان انه ليس هنالك نخب سياسيه أو اجتماعية إلا الموجود على الساحة، وهذا أمر غير حقيقي أبدا بل وصل الأمر في مطبخ صنع القرار لإعدام الصف الثاني في الحكم، أو انتحاره الطوعي في بعض الأحيان ودفن الخارج من دائرة صنع القرار في دقائق.كل ذلك أدى لضيق في الخيارات وتمتع مجموعة من الأشخاص المرتبطين ببعضهم بوشائج النسب والقرابة والمصلحة بمقاليد الحكم.مما أدى لظهور حالات ليست هينه من الفساد والإفساد بل أدى لاختلاط الحكم ما بين الدكتاتوري والبيروقراطي و الفوضوي فخرجنا من مؤسسية العمل إلى نظام أشبة بالمطاطة التي يصبح بها المنصب منوط بشخصية صاحبه تتسع قدرة مؤسسته بقوة شخصيته وفعله ضمن السياسة الواحدة دون النظر إلى الحدود القانونية لتلك المؤسسة ودورها وعلاقتها بمؤسسات المجتمع الأخرى.والسبب الثاني: هجرة قسرية فرضت عليهم أيضا بغير سبب إلا أنهم خالفوا سياسة ما أو كانوا على الطرف الأخر من أي معادلة سياسيه.والهجرة داخليا وخارجيا سيان حيث أن بعض نخبنا تم استثمارها دوليا وعربيا بسبب حاجة ما لتلك الخبرات وحاجة تلك النخب لجهة ما تقدرها وحاجتها أيضا لذاك المقدار من الاحترام المالي والمعنوي في زمن لفظت الأرض به أبنائها.والسبب الثالث: استسلام بعض النخب لمبدأ الاستعلاء والجلوس في شرفة النظارة لان أقلية الحكم ليست جديرة بمشاركة تلك النخب (من وجهة نظر النوع الثالث ) وبذات السياق لا اتفاق فيما بين تلك النخب على جامع يلضم تشظيهم .فتترك تلك الأقلية فريسة لأخطاء وليتم استثمار ذاك الخراب فيما بعد لإبراز مقدرة أصحاب الشرفات على اختلافهم في اللوم المستتر والعلني لخيارات صاحب القرار.السبب الرابع: عدم استلهام رأي النخب المجاهدة بالنصح او حتى الالتفات لنصائحها إن كان عبر الرسائل المباشرة أو الرسائل الإعلامية يؤدي بطبيعة الحال بتلك النخب إلى الارتكان لمقولة -اللهم إني بلغت اللهم فأشهد- وبالتالي ضمورها وتغييبها مجددا ومجددا، وما الاستنجاد بهم في الوقت الضائع بمجدٍ.غياب النخب السياسية المقصودة هنا كان سببا مباشرا لأصطفافات وصلت حدا لنعتقد ان الخراب والهدم اصبح منظومة تحكم بلا رقيب ولا حسيب .ووجود تلك النخب الحقيقية المغيبة كان الحامي دوما للوطن تحرث أرضه تاركة مسارات مستقيمة يختطه أبناء الوطن لرفعته و السير على هداه بناءا وتعميرا لا يشوبه مصلحة ذاتية أو شخصنه في التعاطي مع الشأن العام كل ذلك كان إلى وقت توقيع المعاهدة وما نتج عنها من إبعاد لأصحاب الرأي المخالف دون النظر إلى كفاءتهم في شتى الاختصاصات المطلوبة في الدولة لتسير حسب المأمول منهاأما النخب الاجتماعية فقد جرى تغييبها قسرا وكان قانون الصوت الواحد سببا في تنامي ظاهرة ذبول تلك النخب وتلاشيها حيث أن الناس تخلت عن احترام النخب الاجتماعية مابين العشائر لتقع فريسة المشاحنات الفردية حتى بداخل العشيرة الواحدة والتي أصبحت عقيمة عن ولادة نخب حقيقية يستطيع الأبناء الإيمان بها والركون لخياراتها التي تصبح دستورا تسير بموجبه الأمور مصداقا لمقولة قديمة (قوم بلا جهال راحت قطايع. و قوم بلا عقٌال ضاعت حقوقها ) فأصبحت تلك المجاميع تستعمل الجهَال حتى لا تضيع حقوقها وتنسى أن الحقوق منوطة بالعقَال وليس بالجهَال ودليل ذلك أحداث تم اقترافها جنوبا وشمالا وشرقا وغربا وحتى بوسط العاصمة اخيرا في حفلات توزيع كراسي السعادة وعدم وجود من يعقل تلك الانفلاتات التي تمت، وضف على ذلك زيادة معدل استعمال العنف في مواجهة أي خلاف حتى بين الجيران وأبناء العمومة وعدم وجود نخب قادرة على تصويب الأوضاع. كل ذلك أوصل أقلية الحكم لاستعمال كل أدواتها وصولا للخيار الأخير القامع دون نتيجة تتحكم في مصائر الأحداث ودون أن تتوصل للنتيجة المبتغاة منها.فهذا الإفلاس -الذي نراه- ما هو إلا نتيجة حتمية لتغييب تلك الرموز واعقام المجتمع عن إبراز رموز جديدة يحُتكم إليها في الملمات.و لاحل بيَن الا بفتح الدستور، ومراجعة العقد الإجتماعي ، حتى تسترد مؤسسات الدولة مكانتها في الأردن، وبغير ذلك سنبقى ندور في ذات الدائرة بلا آليات قوية وملزمة ومؤثرة، الى ما شاء الله. هنا قد تأتي الشراكة لانقاذ ما يمكن انقاذه بمسانده من نخب حقيقية موجودة في السلطة على ندرتها للنخب خارج منظومة السلطة وتحالفها معها للعودة الى طاولة الحوار واعادة انتاج الانجاز الوطني مجددا للخروج من هذا النفق المظلم الذي وصلنا إليه اليوم.