من حقنا انتخاب عمدتنا !
في ظل ارهاصات الترقب الوطني، والتوق الشعبي لما ستتمخض عنه اجتماعات وحوارات اللجنة الملكية لتحديث منظومة العمل السياسي من نتائج وتوصيات، ووسط ضجيج حكومي، وصخب رسمي ظاهرُهُ السعي لمحاكاة اشواق الناس نحو تحقيق المزيد من الاصلاحات الدستورية والسياسية، وباطنُهُ حرق المراحل وشراء الوقت وتبديد المجهودات وارساء اليأس والقنوط من امكانية احداث أي انفراجه سياسية او اصلاح حقيقي، تُطل علينا الحكومة بمشروع قانون جديد يخص عاصمتنا الحبيبة عمان بإسم (قانون امانة عمان الكبرى لسنة 2021) حيث جاء مشروع القانون صادماً في محتواه، متخلفا ورجعيا في مضمونه وفلسفته، فعوض ان يأتي القانون الجديد بمضامين ونصوص تكفل تحديث منظومة ادارة امانة عمان، وتضمن انصاف سكان العاصمة ومساواتهم مع باقي شركائهم في الوطن من ساكني المدن الاخرى بحيث يكون لهم الكلمة الاولى والاخيرة فيمن سيصبح رئيس بلدتهم عبر كفالة حقهم بإنتخاب عمدتهم ورئيس بلديتهم وبانتخاب مجلس بلديتهم إنتخابا سريا وحرا ومباشرا، وبدلا من ان يشتمل القانون على نصوص تعبر عن رؤى جادة تستهدف تفعيل دور مجلس الامانة وايلائه اختصاصات ووظائف مركزية جنبا الى جنب مع اختصاصات الامين، بحيث يصار بشكل حقيقي وصادق الى اعادة هيكلة سلطات واختصاصات كل منهما مما يحول دون الانفراد في ادارة شؤون العاصمة، ويفضي الى تفعيل مؤسسات الامانة ومديرياتها ودوائرها، وتفجير طاقات خبرائها ومهندسيها وموظفيها، جاءت مسودة القانون الجديد بنصوص تمعن في تجاهل المعايير الدولية الناظمة لادارة المجالس المحلية والبلدية، وتدير ظهرها بالكامل للممارسات الفضلى في هذا المجال، ذلك ان العقل المركزي الذي يدير المشهد السياسي في بلدنا العزيزة الاردن ما زال متشبثا بالنهج العقيم القائم على تعيين أمين عمان ونسبة وازنة من اعضاء مجلس امانتها، في هيمنة مؤلمه على ارادة العمانيين، واصرار على اقصائهم وتجاهل دورهم وصوتهم ورغباتهم بحكم أنهم المتأثرين المباشرين بأداء أمين مدينتهم ورئيس بلديتها المعين ونظرائه من اعضاء مجلس الامانة المعينين اما سلبا ام ايجابا، بشكل يجافي لغة العصر التي لا تتسع ضمن مفرداتها الا لمخرجات النهج الديمقراطي ونتائج صناديق الاقتراع، فضلا عن أن السير في ذات الطريق سيقودنا حتما الى ذات الدائرة المغلقة، والى الوقوع في شرك التشوهات والمعضلات التالية:
أولا: إن الاستمرار في ممارسة ذات النهج الالغائي لارادة العمانيين وحرمانهم من انتخاب عمدتهم ورئيس بلديتهم، وكذا حرمانهم من انتخاب نسبة وازنة من اعضاء مجلس الامانة، أمر يخالف ابسط قواعد المساواة والانصاف، وإن الابقاء على النصوص التي تجعل من مسألة تعيين عمدة عمان ورئيس بلديتها ونسبة من اعضاء مجلس امانتها اختصاصا حصريا بالحكومات ما هي الا نصوص مخالفة لجوهر وروح ومضمون المادة (6/1) من الدستور الاردني والتي تنص على ما يلي:
((الاردنيون امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين)).
فلا يوجد اي منطق عقلي او دستوري او حقوقي او حتى اخلاقي يمكن له ان يبرر حرمان سكان العاصمة عمان من هذا الحق، في الوقت الذي يتمتع به اقرانهم وشركائهم في الوطن من سكان باقي المدن الاردنية، حيث يتمتعون بفرص اختيار رؤساء بلدياتهم، وكامل أعضاء مجالسهم البلدية بشكل دوري وثابت وفقا للمعادلات والمعايير التي يعتمدها غالبيتهم، وهو خلل سياسي وقانوني افضى – ومن دون شك- الى التمييز ما بين الاردنيين، ففي الوقت الذي يُحرم فيه بعضهم من حق انتخاب رئيس بلديتهم وجزءا من اعضاء مجلس البلدية، يتمتع البعض الآخر بمثل هذا الحق ويمارسه بشكل دوري وثابت، يضاف إلى ذلك مثلبة دستورية ثانيه تتصل بمخالفة هذا الامر للماده (24) من الدستور الاردني التي نصت على ما يلي:
((الامة مصدر السلطات)) ذلك أن التمسك بنهج فرض رئيس البلدية على سكان العاصمه يخل بالقاعده الجوهريه القائله بأنه ((لا سلطة من دون تفويض شعبي)) ويطيح بالاساس الدستوري الذي رسخته الماده 24 من الدستور المذكوره آنفا، وبالتالي فإن الاصرار على إقرار مشروع قانون أمانة عمان المقترح من الحكومه وصيرورته نافذا سيجعله محمولا على الشبهات التي تطعن بدستوريته وتجرح مشروعيته.
ثانيا: ان الاستمرار في حرمان العمانيين من حقهم في انتخاب عمدتهم ونسبة وازنة من اعضاء مجلس الامانة يهدم الفلسفة والغاية التي لأجلها نشأت فكرة الادارة المحلية وتحولت مع الايام إلى مكون مؤسسي وارتكازي من مكونات الدول الحديثة، اذ توافق معظم العلماء والمفكرين والحقوقيين والفلاسفة على أن واحدا من أهم مبررات إنشاء المجالس المحلية هو…