بسم الله الرحمن الرحيم
يا أبناء شعبنا العظيم
كشفت رسالة الملك الأخيرة إلى مدير المخابرات العامة عن التوجه إلى هيكلة المخابرات العامة بعد أن تم هيكلة الجيش والامن العام، كما انها تضمنت إعترافاً صريحاً بما هو معروف من تجاوز دائرة المخابرات لواجباتها وصلاحياتها لمدة طويلة.
ومعروف أيضآ أن هذه التجاوزات ألمزمنة هي سياسة حكم وليست سياسة جهاز منفرد من أجهزة الدولة، وقد أنتجت هذه السياسة نظاماً امنياً مستبداً، وأدت إلى مصادرة الحقوق الأساسية للشعب الأردني والحقت أذى كبيرا بعشرات الآلاف من الأردنيين، سواء كان ذلك بالاعتقال التعسفي لفترات طويلة دون محاكمة أو بمحكمة صورية أمام محاكم عرفية او بقطع الأرزاق وسد سبل العيش الكريم، أو بالمنع من السفر والملاحقة في أدق شؤون الحياة.
وحيث ان الاعتراف بالتجاوزات قد حصل من أعلى مستوى في النظام، فإن الخطوة الأولى المنتظرة على طريق مطابقة القول بالفعل هي الأعتراف للشعب الأردني، وخصوصا لكل المواطنين الذين لحق بهم أذى مباشر بسبب هذه السياسة التعسفية طوال تاريخ هذا الجهاز.
ورغم إننا ننظر بإيجابية إلى روح الرسالة الملكية الموجهة لمدير المخابرات غير أن التجارب علمتنا أن نتروى في الحكم عليها باعتبار أنها لا تكتمل الا إذا اقترنت بتوفير الضمانات الضرورية في تنفيذ محتواها خاصة وأننا قد تعودنا على نشر رسائل ملكية سابقة ومن ضمنها الأوراق النقاشية الست، والرسائل الأخرى المتعلقة بضرورة إيجاد قانون أنتخاب عصري والتأسيس لحياة حزبية وسياسية، وتحرير الإعلام من القيود الأمنية والكوابح الرسمية غير أن النتيجة جاءت معاكسة تماماً لما خطته تلك الرسائل وكان من أخطر إفرازاتها أنها زادت من معاناة الشعب الأردنيّ وعذاباته.
والان بينما يجري الحديث عن وقف التجاوزات فإن إجراءات حل نقابة المعلمين تتواصل، ويوضع مجلس إدارتها ونشطائها بالسجن بغير وجه حق، ويحال مئات المعلمين إلى الاستيداع بسبب دفاعهم عن نقابتهم على نحو يذكر بإجراءات الفصل عن العمل لأسباب سياسية كما كان شائعاً أيام الأحكام العرفية.
وفي ظل هذا الحديث نفسه عن وقف التجاوزات تتخذ إجراءات تعسفية ضد حزب الشراكة والانقاذ تمهيدا لحله عقابا له على نشاطه وديناميكيته وقدرته على أستقطاب المئات من الأعضاء الجدد ونجاحه في إيصال رسالته الوطنية والقومية، غير أن النظام لم يحتمل نجاحاته واراءه السياسية وأختار حله الوحيد بالعمل على حل هذا الحزب الطليعي.
إن الأوجاع الحقيقية التي يهرب منها النظام ولا يتحدث عنها هي حصر صلاحية كافة السلطات الدستورية الأخرى وتجييرها لصالح حكم الفرد الواحد في إعتداء واضح على الدستور الأمر الذي افرغه من مضمونه كدستور ينظم علاقة المواطنين بدولتهم وينظم العلاقات بين كافة المؤسسات التي اوجدها الدستور، وكذلك حقوق المواطنين وواجباتهم ونقل كل ذلك إلى سلطة الملك مباشرة عبر الديوان الملكي الذي أصبح يشرف اشرافا مباشراً على كل مؤسسات الدولة وإصدار القرارات الملزمة لتلك المؤسسات وسلب حقوقها وجعلها مجرد ديكور لسلطة الملك المطلقة.
وفي هذا الإطار وضعت دائرة المخابرات العامة واستمدت كل سلطاتها من إرادة الملك ورغبته فقط وإن كان الان يعمل على تجريدها منها ومن ضمنها الإستثمار والنشاط الاقتصادي التي نأمل أن تعود إلى السلطة الوحيدة المخولة بإدارتها بموجب الدستور وهي الحكومة صاحبة الولاية العامة لا أن يجري الاستيلاء عليها لصالح القصر أو جهات متنفذة داخلية وخارجية بموجب نص واضح وصريح وقانون يضمن أنتقالها إلى الخزينة لتوضع في خدمة الاقتصاد الوطني والشعب الأردني.
إن محاكمة دائرة المخابرات القاسية في هذه الرسالة الملكية هي محاكمة لنهج النظام كله ولا نريد الحديث أن الرسالة موجهة إلى الخارج متأثرة في التغييرات الكبرى الجارية في الولايات المتحدة بعد وصول الديمقراطيين إلى الحكم فذلك لا يهمنا، بل مايهمنا دولتنا وشعبنا ومستقبل هذا الوطن، ومن هنا فإننا سنتمسك بهذه الرسالة كصيغة مقبولة على أن يجري تطويرها لتشمل إزالة كل التشوهات غير الدستورية التي عززت فقط الحكم المطلق وصولا إلى نيل الشعب كافة حقوقه الدستورية وإعادة بناء الدولة الأردنية كدولة ديمقراطية وينال شعبها حريته وحقه في بناء دولة قوية مزدهرة وعصية على الأعداء.
عاش الشعب الأردني العظيم
لجنة المتابعة الوطنية – عمان 28 شباط /فبراير 2021